تاجر عكا واكتساب السمعة
بقلم: بكر أبو بكر
قرأنا في الأثر الشعبي أن تاجرًا فلسطينيًا قدم من قريته البعيدة الى مدينة عكا من فلسطين في قديم الأزمان ليبيع بضاعته حيث ذكر له أن في مدينة عكا من مدن فلسطين الشهيرة يستطيع بيع بضاعته بسهولة وبمبلغ أفضل، فذهب الى هناك وباعها بخمس ليرات ذهبية.
ولما كان الليل قد حلّ، وهو سيعود الى قريته البعيده على راحلته خاف من سرقة أمواله بالطريق، فنظر الى تاجر وقور مأمون فاستدل عليه ووضع عنده الليرات الذهبية الخمس على أن يعود لاخذها في يوم آخر.
عاد القروي الى عكا في صبيحة يوم من الأيام فنسي مكان المحل ونسي شكل التاجر الذي وضع عنده أمواله، الى أن استدل على محل فيه صاحبه الوقور وعدد من التجار يتناقشون فطلب منه الليرات الخمس التي وضعها عنده من أيام، فما كان من التاجر الا أن نقده المال.
بعد فترة من التجوال بالسوق في طريقه للعودة لقريته اكتشف أنه أخطأ لأنه استدل على التاجر الحقيقي المقصود وأخذ منه ليراته الذهبية.
عاد للتاجر الأول الذي (خربط) به، فقال له لم فعلت ذلك؟ ولست أنت من أعطيته مالي؟ قال له: لقد اشتريت سمعتي.
لقد كان بالمحل تجار يحاورونه ويجادلونه، فلو انكر لتسرب ولو قليل من الشك بأمانته مقابل القروي الفقير ففضل شراء سمعته بالمال.
وأنظر إلى هذا المثل أيضًا: إذ أنه في عام 2008 كانت هناك فرقة موسيقية أجنبية في رحلة لطائرة شركة "يونايتد" الأمريكية، وفيها تعرضت آلة الجيتار لأحد العازفين للكسر بسبب التعامل السيئ لعمال الحقائب، مما دفع العازف لرفع قضية استمرت عدة أشهر للحصول على تعويض مقابل الضرر الذي لحق بجيتاره الثمين، وقام بنشر أغنية ضد الشركة تذكر كسر آلته، وانتشرت الأغنية انتشاراً واسعاً على منصة "يوتيوب" وشاهدها عشرات الملايين مما سبب هبوط أسهم شركة يونايتد بنسبة 10% بقيمة 180 مليون دولار، وهذا المثل يبرز صورة الكلفة الباهظة بسبب السمعة السيئة، سواء تجاريًا وما يمكنك القياس عليه في الاتجاهات الأخرى.
يقول الكاتب "رون كاروتشي"[1] من دراسته المطولة التي استمرت 15 عامًا لأكثر من 3200 قائد حول الصدق المؤسسي/التنظيمي والتي دونها في كتابه المعنون:"أن تكون أمينًا: قُد بقوة الحقيقة والعدل والهدف"، تُظهر أن الناس من تلقاء أنفسهم، لا يكسبونك سمعة أنك جدير بالثقة. قد يصنفونك على أنك يمكن الاعتماد عليه أو يسهل التعامل معه، لكن أن تكون موثوقًا به باستمرار يتطلب المزيد. ويضيف انه إذا كنت تريد أن تكون متأكدًا من أن الأشخاص الذين تقودهم يرونك جديرًا بالثقة ، فإليك أربع ممارسات لإتقانها. وحيث كشف بحثه أنه إذا قمت بذلك، فستزداد احتمالية كسب ثقة الآخرين والحفاظ عليها 16 مرة.
ويطرح المفاهيم التالية أولًا: كن كما تقول أنت. بتطابق الأفعال والأقوال وثانيًا: جسّد قيمك المعلنة فقلها واعلنها لتكون معيار الآخرين تجاهك، وثالثًا: اعترف بأي اخطاء او ثغرات، واعتذر إن أخطأت اما رابعًا فعامل الآخرين وعملهم بكرامة واحترام.
يذكر موقع رؤوس التفكير thinking heads[2] أنه" عند تحليل شيء معقد مثل السمعة، يجب أن نأخذ في الاعتبار عوامل متعددة تشارك في بناء هذا التصور. على سبيل المثال ، إذا كنا نتحدث عن أفراد أو منظمات، فمن المهم أن تكون أفعالهم متوافقة مع خطابهم وقيمهم. من المهم أيضًا أن يتم تنفيذ هذه الإجراءات بطريقة مستدامة بمرور الوقت. السمعة هي سباق طويل المدى، لذا فإن الحصول عليها بشكل صحيح مرة واحدة لن يكون كافيًا." ويضيف الموقع قائلًا: "إذا نظرنا إلى القادة السياسيين، فقد يعتقد المرء أن التركيز المنطقي على الاقتراب من السمعة قد يكون من حيث التوجه الأيديولوجي/الفكري العقدي. ومع ذلك، مرة أخرى، نرى أن الأمر أكثر تعقيدًا إلى حد ما من ذلك. إنها ليست مسألة ما إذا كان القادة اليساريون يتمتعون بسمعة أفضل أو أسوأ من زعماء اليمين. سنكون أكثر دقة إذا كان السؤال الذي نسأله لأنفسنا هو ما هي الصفات الأكثر قيمة في قادة اليسار واليمين (جماعة الحكومة أو السلطة مقابل المعارضة). وهذا ما فعلناه (دراسة سمعة الزعيم السياسي ، رؤساء مفكرين)." ويطرح الموقع أنه في البحث بعمق حول السمعة في متغيراتها العاطفية والعقلانية " اكتشفنا أن هذه التصورات مجمعة حول أربعة أبعاد تعمل كرافعة للسمعة: القيادة والكفاءة والنزاهة (الامانة) والإنسانية".
[1] أنظر للمقال على الرابط
https://hbr.org/2021/06/build-your-reputation-as-a-trustworthy-leader [2] أنظر الرابط
https://thinkingheads.com/en/en-reputation-political-leaders-ideology/