لقد حثّنا ديننا الحنيف في قرآنه الكريم وعلى لسان رسوله الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته الطيبين الطاهرين (عليهم السّلام) على إكرام الضيف وعلى حسن الضيافة مهما كانت الأوضاع والظروف المعيشية، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ الله تبارك وتعالى أوجب عليكم حبّنا وموالاتنا وفرض عليكم طاعتنا، ألا فمَن كان منّا فليقتد بنا، وإنّ مِن شأننا الورع، والاجتهاد، وأداء الأمانة إلى البرّ والفاجر، وصلة الرحم، وإقراء الضيف والعفو عن المسيء، ومَن لم يقتد بنا فليس منّا...».
وحثّ الإسلام المضيّف على حسن اللقاء وطيب الكلام وطلاقة الوجه، لأنّ الضيافة أمرٌ أكيدٌ يرتبط بالأخلاق والقيم، فقد ورد عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ««يا عليّ، أكرم الجار ولو كان كافراً، وأكرم الضيف ولو كان كافراً، وأطع الوالدين وإن كانا كافرين، ولا تردّ السائل وأن كان كافراً». والضيف مكرّمٌ أين ما حلّ وفي أيّ وقت وبمناسبة أو غير مناسبة، فإننا نرى هذا التأكيد والحثّ الكبير على إكرام الضيف بالشكل اللائق من قبل أهل البيت الأطهار (عليهم السّلام) ولم يكن حينها وسائل التواصل المعروفة اليوم لكي يُعلم الشخص بنزوله ضيفاً على أحد.
ونحن اليوم نستفهم من الناس رأيهم بخصوص الضيف الطارئ الذي يداهمهم من غير سابق علم منه إليهم، وينقسم الناس في أمر استقبال هذا الضيف المفاجئ الى قسمين، فمنهم مَن يمقت هذه الزيارات التي تكون من غير سابق علم، ويعتبرونها استخفافاً بصاحب المنزل، ومنهم مَن يحبّذ هكذا زيارات، بل ويراها لا تكلّف الشيء الكثير، لأنّ الضيف حلّ دون موعد مسبق، و«الجود من الموجود» كما تقول العبارة المشهورة، وكان لنا عدّة لقاءات مع مختلف شرائح المجتمع:
فكان لنا لقاء مع السيدة سميرة (متقاعدة / ربّة منزل) وقد أكّدت لنا: أنّ مثل هذه الزيارات لا تشكّل عبئاً عليّ، وعادة تكون قصيرة، وإن كنتُ أفضّل الاتصال قبلها لأنه لا يوجد عندي مَن يُعينني ويساعدني للقيام بواجبات إكرام الضيف بالشكل المطلوب.
وتقول السيدة علياء (مدرسة ثانوية): فعلاً هنالك زيارات مفاجئة تحدث رغماً عنّا كإن يكون الشخص بالقرب من منزلنا فيمرّ بنا من غير سابق علم، أو أنه قصدنا لإخبارنا بشيء ضروري ومهمّ، وعادة مثل هذه الزيارات تكون خاطفة ولا تحتاج المكث في المنزل طويلاً، وأنها غير مُكلفة مادّياً، وتضيف السيدة علياء: وكذلك وأضافت أم وسام (معلمة) تقول أنا أحب أخذ موعد قبل أي زيارة أقوم بها، هذه بالنسبة للأقرباء كالإخوة والأخوات والعمات والخالات فإنّهم عادة يأتون من دون موعد، وهكذا الأمر مع كلّ أفراد عائلتي، أو أنهم يُعطوننا علماً إجمالياً، كإن يقولوا: سنأتيكم الأسبوع القادم، فهؤلاء الضيوف لا نتكلّف في ضيافتهم فإنّهم جزء من الأهل، وقد قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام): «شرُّ الإخوان مَن تُكلّف له» وكذلك الأمر فيما إذا كنّا نحن الضيوف عليهم يجري معنا نفس الأمر، بل أحياناً نحن نقوم بإعداد احتياجات الضيف، وهذا نوع من التفاهم الذي اعتدنا عليه.
وأكدت أم رقية (موظفة مصرفية) إنها تنزعج كثيراً من هذه الزيارات التي تحدث دون سابق علم، لأنّها تعمل موظفة وبالتالي فإنها ترجع متعبة، وتريد أخذ فترة من القيلولة والراحة، وأضافت: والزيارة المفاجئة تجعلني أدخل في نفير عام حيث أكون مشدودة الأعصاب ما بين الضيوف في القيام بالواجب اللائق لكلّ أحد منهم، وكذلك محادثتهم الاستماع إليهم، والعمل في المطبخ لتحضير الطعام، والهرولة في ترتيب البيت وغير ذلك ممّا هو معروف لكلّ أحد.
بينما تفضل الأخت وفاء (متزوجة حديثا) بأخذ موعد قبل يوم أو يومين من الزيارة، وذلك لتكون مستعدة لاستقبال الضيوف، ولا تفضل الزيارة المفاجئة لأنها قد تكون حينها خارج المنزل، أو تكون نائمة، أو منهمكة في عمل لا يؤجّل، أو في مزاج لا يسمح لها باستقبال الضيوف، وتضيف: لأنّني مررت بموقف صعب جداً حيث اتّصل الضيوف بي قبل نصف ساعة من حضورهم، ولم يكن عندي شيء في الثلاجة لأني لم أتسوق بعد، فكنت في موقف صعب جداً، واكتفيت بتقديم الفواكه والحلويات بدل وجبة الغداء، وأنا في غاية الإحراج الشاق، ومرّة كنا على وشك الخروج لنزهة وشراء بعض الحاجيات فنتفاجأ بالباب يُطرق وإذا بالضيوف فوق رؤوسنا، ممّا تسبّب في الإحراج الشديد لنا ولهم كذلك، وتذهب مخطّطات رحلتنا للنزهة أدراج الرياح.
وتحدثنا مع السيد ابو علي (صاحب أسواق) الذي كان ممتعضاً حتى من عنوان موضوع تحقيقنا لشدّة استيائه من الضيف الطارئ، فقال بازدراء: أنا لا أرغب بالزيارات المفاجئة، لأني لاحظتها تفتقد غالباً لآداب الزيارة التي وضّحها الله (تباركَ وتعالى) وأهل البيت الأطهار (عليهم السّلام)، ويضيف ابو علي: مع توفر وسائل الاتصال المختلفة بات من الضروري العلم بالضيافة ووجوب الاستئذان قبل الزيارة، ثمّ يردف قائلاً: وقد حدث أن استقبلتُ ضيوفاً زاروني فجأة في يوم عطلة ولكني كنت في مزاج متعكّر، وقد ازدحمت عليّ يومها الكثير من الأشغال، فلمَ هذا الإحراج لي وكذلك لهم، فإنّهم لو أعلموني لأجّلت أعمالي الى يوم آخر، أو لطلبتُ بأدبٍ منهم المجيء في يوم آخر.
ولنا أن نقتطع بعضاً من كتاب (أدب الضيافة) للأستاذ جعفر البياتي بما يخصّ آداب الضيف الذي نحن بصدده مع التصرّف باختزال أقواله في ذلك:
لابدّ للضيف أن يراعي الآداب التي سنشير إليها جملة لضيق الحال: فالضيف هو مَن أضيف بإكرام إلى مضيفه، رحما كان أو صديقا أو أخا في الله، أقبَلَ إلى أخيه ليُدخل عليه الرزق والبركة، ويخرج من عنده بالرحمة والمغفرة، وهو في لسان الروايات أنّ الضيف هدية الله (تباركَ وتعالى) إليك، فقد ورد عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إذا أراد الله بقوم خيراً أهدئ إليهم هدية» قالوا: وما تلك الهدية ؟ قال: «الضيف، ينزل برزقه ويرتحل بذنوب أهل البيت».
ومن الآداب المهمة للضيف:
1- أن يستجيب لدعوة المؤمنين، فهي تعبير عن إكرام الداعي، واعتزازٌ بإخوته وقبولٌ لمبادرته وتشجيعٌ وإعانةٌ، وقد بيّن الإمام الحسين (عليه السّلام) ذلك بقوله: «مَن قَبِل عطاءَك، فقد أعانَكَ على الكرم»
2- مراعاة الأدب في محلّ الضيافة، وهو أن يتحلّى بالفضائل، ويربأ بنفسه عن الرذائل فقد قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «شرُّ الناس، مَن أكرمه الناس اتّقاءَ شرّه» وإلاّ فقد دخل على مضيفه بالشرّ لا بالبركة، ويخرج بالذنوب لا بالمغفرة.
3- الحضور في الوقت المناسب، فلا يتأخر الضيف لكي لا يطول الانتظار على صاحب الدار أو على ضيوفه الآخرين. كما لا ينبغي له أن يأتي عاجلاً إذا كان هنالك موعد مقرر، فيفاجئ صاحب الدار قبل تمام الاستعداد لاستقبال ضيوفه. فإنّ في كلّ ذلك إحراجاً للمضيف، لا سيما إذا كانت الزيارة في وقت غير مناسب أو ظرف موجب للضيق، فيضطر المضيف أن يؤجل كثيرا من اهتماماته وأشغاله إذا طالت المجالسة
4- التخفيف على المضيف، فلا يثقله بكثرة الطلبات. فربما أحرجه في تهيئتها، وربما عجز عن ذلك لفقر أو سبب آخر.
5- أن لا يُكثر النظر الى الموضع الذي يخرج منه الطعام، فإنّه دليل الشره وخسة النفس. وأن لا يشق الضيف على صاحب الدار وينظر الى نوع وكمية الطعام، فإن ذلك دليل سوء نية الزيارة، إذ يفهم أنها قصدت لقضاء شهوة البطن لا لصلة الإخوان والأرحام، أو لاستجابة دعوة المؤمنين.
6- الدعاء لصاحب البيت بسعة رزقه وزيادة البركة عليه، فقد كان الإمام الصادق (عليه السّلام) يقول بعد أن يحمد الله: «أكلَ طعامك الأبرار، وصلّت عليك الملائكة الأخيار» وإذا كانت الضيافة لوجه الله (تباركَ وتعالى) وقد اجتمع فيها المؤمنون على حبّ الله (جلّ جلالُهُ) وتضمنت ذكراً مباركا لله (سبحانه وتعالى) فإنّها من مظانّ استجابة الدعاء، ومهبط الخير ومنزل الرحمة على الضيوف والمضيف جميعا.
7- من المستحسن أن يدعو الضيف صاحبه ليكرمه أو يجازيه ويكافئه على حسن ضيافته.
8- على الضيف أن يحفظ أسرار مضيفه الذي أكرمه وائتمنه في بيته، فلا يجوز له أن ينقل ما اطّلع عليه من خاصة شؤونه وما كتمه على الناس، فإنّ إذاعته من الخيانة، وربما كان في بعض الإفشاء هتك للحرمات.