ذهبت للمسجد للصلاة، وقد كنت متأخراً.. لا أذكر الوضع الذي كانت عليه الصلاة لكنها كانت قرب نهايتها، ولم أستطع أن أعرف الطريقة المثلى التي أستكمل بها صلاتي بعد أن يفرغ الإمام. هكذا سلّم الإمام فنهضت أصلي ما فاتني من ركعات.. لاحظت أن هناك شيخاً ملتحياً وقوراً جاء معي بالضبط، فقررت أن هذا هو الفرج.. سوف أُتابع ما يفعله وأفعل مثله كأنها صورة في المرآة..
ركعنا.. سجدنا.. قمنا.. ركعنا.. سجدنا..
ماذا بعد ذلك؟ ظللت أنتظر مبادرة الشيخ.. هل يسلم ويُنهي صلاته أم ينهض لركعة أخرى؟. هنا لاحظت أن انتظاري طال فعلاً... لقد رحل كل المصلين وأنا والشيخ على الأرض ساجدين. تذكرت قصة (أكان لابد يا لي لي أن تضيئي النور؟) التي كتبها يوسف إدريس، عندما رحل الإمام في وسط الصلاة وترك المصلين ساجدين على الأرض يخشى كل منهم أن ينهض.. ويقال إنهم ساجدون حتى هذه اللحظة.
هذا موقف مماثل، لكن ما يحدث هو أنني نظرت للشيخ ورأسي على الأرض فوجدت انه ينظر لي في عصبية !.. إنه ينتظر ما سأفعله لأنه ليس متأكدًا!!
جبتك يا عبد المعين تعينني.. لاقيتك يا عبد المجيد تنعان.. وفي قول آخر: لاقيتك يا عبد المجيد حيران عني. المهم أننا ظللنا في هذا الوضع طويلاً جداً.. كل واحد ينتظر المبادأة من الآخر. في النهاية قررت أنني أبدو كشاب مستهتر غير متبحر في الدين، لذا اتخذت الخطوة الأولى وألقيت السلام. طبعاً فعل الشيخ مثلي لكنه ظل يرمقني في كراهية وأنا أنصرف. نظرة عينيه تقول: أيها الجاهل بدينك!
كانت مصيبته أكبر من مصيبتي طبعاً، فهو الذي يبدو كشيخ وقور متدين. أول شيء فعلته هو أنني عرفت بالضبط ما كان يجب أن أفعله، ثم تعلمت ألا أتأخر عن الركعة الأولى إذا صليت في جماعة.
هناك قصة مشابهة عن القرويين الذين دعاهم أرشيدوق النمسا لمقابلته. ذهبوا متوترين، وأخبرهم ناصح أمين أن يفعلوا بالضبط كما يفعل الأرشيدوق.. جلس الأرشيدوق فجلسوا.. تناول الشاي فتناولوه.. تناول اللبن فتناولوه.. صب بعض اللبن في طبق خزفي ففعلوا مثله. ثم انحنى ليضع الطبق أمام القط!!!
اعتدنا في أيام الامتحانات في المدرسة الثانوية أن نغش، لأن أماكن جلوسنا متقاربة، وكانت الطريقة التي وجدناها هي أن يتخصص كل واحد في موضوعات بعينها..
هكذا رأيت ورقة الإجابة فكان السؤال اللعين: عدد أفوجادرو.
كنت أعرف أن صديقي (حازم) مسؤول عن هذا الجزء، فانتظرت حتى رحل المراقب، ورحت أصفر:
ـ «بس س س حازم!.. عدد أفوجادرو!»
قال همسًا:
ـ «فعلاً.. ما هو عدد أفوجادرو؟»
قلت في عصبية:
ـ «أنت المسؤول عن هذا الجزء!»
ـ «أنا مسؤول عن ثابت بلانك.. وقاعدة أورستد»
ـ «هل تمزح؟. أنا مسؤول عن هذا الجزء..!»
هنا صاح أحد رفاقنا:
ـ «ما هي شحنة الإلكترون؟»
قال حازم:
ـ «اسأل عثمان»
هنا سمعنا عثمان يصيح همساً:
ـ «ما هي شحنة الإلكترون؟»
ـ «هذا عملك يا أحمق»
ـ «بل أنا مسؤول عن ثابت بلانك.. وقاعدة أورستد»
وهكذا عرفنا أننا أخطأنا توزيع المواضيع.. أحدنا كان حماراً بالتأكيد، وأخذنا كلنا ذات الموضوع. الجميل هنا أن الامتحان لم يحو سؤالاً واحداً عن ثابت بلانك وقاعدة أورستد. وهكذا عرفنا أن الامتحان قد ضاع للأبد.. في العام القادم سوف نرتب الموضوع بصرامة وقسوة.
عبد المجيد يحتاج للعون بشدة ولا يقدر على أن يعينك.. هذا ما تكتشفه في كل مرة ويكون ثمن الاكتشاف فادحاً!